كيف لنقطة متناهية في الصغر، أصغر من الذرة بتريليونات المرات، أن تكون كل تلك النجوم الهائلة والمجرات.
كيف كان شكل الكون، قبل أن يصبح بالشكل الذي نراه اليوم، و كم استغرق من الزمن ليصبح هكذا.
هذا ما سنسرده في السطور التالية، المقال طويل و غني بالمعلومات، اعزل نفسك و احضر مشروبك و هيا بنا.
قبل نظرية الانفجار العظيم، كان الإعتقاد السائد أن الكون أزلي و أبدي اي لا بداية له و لا نهاية.
إلى أن أتى العالم هنريك ويليام اولبر في القرن السابع عشر و طرح فكرته التي زعزعت سرمدية الكون.
رفض فكرة سرمدية الكون بقوله أنه لو كان كوننا لا نهائي لكان عدد النجوم لا نهائي أيضاً،
رفض فكرة سرمدية الكون بقوله أنه لو كان كوننا لا نهائي لكان عدد النجوم لا نهائي أيضاً،
و بالتالي سيكون عدد النجوم كافياً لإنارة السماء ليلا ونهارا، ولكن الواقع غير ذلك، و السماء مظلمة ليلا.
و إن دل هذا على شيء، فسيدل على أن كوننا ليس أبدي و ليس أزلي، كوننا متغير له بداية و له نهاية!
كانت تلك المتفردة تتمتع بمواصفات تنهار عندها كل قوانين الفيزياء، و لم تعرف طبيعة قوانينها إلى يومنا هذا،
ولن نعلم طبيعة القوانين تلك إلى أن نصل إلى نظرية كل شيء.
و إن دل هذا على شيء، فسيدل على أن كوننا ليس أبدي و ليس أزلي، كوننا متغير له بداية و له نهاية!
الانفجار العظيم |
كيف بدا الكون - لحظة الانفجار العظيم
بدأت حكايتنا قبل 13.8 مليار سنة، حيث كانت تقبع هناك في وسط الظلام نقطة صغيرة تدعى المتفردة،كانت تلك المتفردة تتمتع بمواصفات تنهار عندها كل قوانين الفيزياء، و لم تعرف طبيعة قوانينها إلى يومنا هذا،
ولن نعلم طبيعة القوانين تلك إلى أن نصل إلى نظرية كل شيء.
جميع العلوم و النظريات لدينا تشرح فقط ماحدث بعد المتفردة، كانت المتفردة ومن ثم حدث الانفجار العظيم،
ماقبل الانفجار العظيم يشكل لغزاً محيراً، فما هي طبيعة الوجود قبل ذلك؟ و هل كان هناك شيء؟
هذه الأسئلة كانت و ما زالت محل جدلاً واسعاً.
الانفجار العظيم و العصور التي مر بها
بعد الأنفجار العظيم مر الكون بعصور عدة، من تشكل الكواركات و أنوية الذرات و الإلكترونات،
وصولا إلى النجوم و الكواكب و المجرات. و مر بمراحل عديدة إلى أن انفصلت قوى الكون الأربعة،
- القوة الكهرومغناطيسية
- القوة النووية القوية
- القوة النووية الضعيفة
- قوة الجاذبية
انفصلت عن بعضها و برد الكون مما سمح بتشكل تلك الذرات و الكواكب و المجرات،
سنستعرض في السطور التالية العصور التي مر بها الكون و احداث كل عصر.
1 ـ عصر بلانك
عند انفجار الكون مع التدقيق على كلمة انفجار لأنها ليست دقيقة، بل هو يشبه التوسع السريع.
كون معه المكان التي ستولد فيه المادة، و حسب نظرية النسبية للعالم اينشتاين،
أن المكان غير منفصل عن الزمان و هما نسيج واحد يسمى الزمكان.
و بالتالي قد ولد مع الانفجار العظيم أول قطعة مكان و أول قطعة زمان تسمى طول و زمن بلانك.
نعم قطعة زمان، لأن حسب نظرية ميكانيكا الكم كل شي مكمم اي مقسم الى كمات صغيرة غير قابلة للتقسيم.
و بما أن أول قطعة مكان و أول قطعة زمان هما طول و زمن بلانك سمي هذا العصر عصر بلانك.
زمن بلانك
ربما عند قراءتك لكلمة عصر تعتقد انه استمر لسنين طويلة، و لكن دعني أصدمك قليلاً،
استمر عصر بلانك لمدة زمنية تساوي زمن بلانك، والتي هي أقل من جزء من الثانية بتريليونات المرات.
تساوي 1.35 مضروبة بالرقم 10 مرفوع للقوة -43 ثانية، يعني أنه عليك تقسيم الثانية الواحدة على 1 بجانبه 43 صفراً.
طول بلانك
كان قطر الكون وقتها يساوي طول بلانك، والذي هو أصغر من المليمتر بتريليونات المرات.
يساوي 1.6 مضروب بالرقم 10 مرفوع للقوة -35 متر، اي يجب أن تقسم المتر على رقم بجانبه 35 صفراً.
عليك ان تعلم أنك اذا قسمت الكيلو متر على رقم بجانبه 6 أصفار اي مليون، يساوي 1 سنتيمتر فما بالك بتقسيم المتر
على 1 بجانبه 35 صفراً.
لذلك كان يستحيل وقتها وجود المادة، لأن قطر الإلكترون فقط أكبر من قطر الكون وقتها بتريليون تريليون مرة.
كان الكون عبارة عن طاقة فقط و لك أن تتخيل أن النقطة المتناهية في الصغر تلك كانت تحمل طاقة الكون كله.
درجة حرارة بلانك
كانت حرارة الكون هائلة بشكل يصعب تخيله كانت تبلغ 1.8 مضروبة بالرقم 10 مرفوع للقوة 32 كيلفن،
اي عليك أن تضرب 1.8 برقم بجانبه 32 صفراً وهو درجة حرارة الكون على مقياس كيلفن.
لايوجد اكبر من تلك الدرجة في الكون كله، وقد سموها بدرجة حرارة بلانك.
طاقة بلانك
بعد أن علمنا طول الكون و زمنه و درجة حرارته، بقي علينا أن نعلم كمية الطاقة التي كانت محصورة في تلك النقطة.
تخيل أن كل طاقة الكون التي في المجرات و النجوم و الثقوب السوداء، وكل الكتل المادية الموجودة،
كانت عبارة عن موجة واحدة من الطاقة، تساوي 10 مرفوع للقوة 19 GeV و هي اكبر طاقة ممكنة و سميت طاقة بلانك.
2 ـ عصر النظرية الموحدة العظمى
خرج الكون من عصر بلانك و دخل في عصر النظرية الموحدة العظمى، والذي استمر من 10 مرفوعة للقوة -43 ثانية إلى 10 مرفوعة للقوة -36 ثانية. اي العصرين لم يتخطوا جزء من تريليونات الأجزاء من الثانية.
سمي بعصر النظرية الموحدة العظمى، لأن الكون توسع، وبرد قليلاً حيث أصبحت حرارته 10 مرفوعة للقوة 27 كيلفن،
و أصبح أكبر من طول بلانك، وانخفضت الطاقة عن 10 مرفوعة للقوة 19 GeV.
أصبحت الطاقة موزعة في اكثر من مكان، وبالتالي انفصلت قوة الجاذبية عن باقي القوى،
و بقيت القوى الثلاث المتبقية كما هم قوة واحدة.
سبب التسمية هو الصراع القائم بين علماء ميكانيكا الكم و اينشتاين صاحب تفسير الجاذبية.
استطاع العلماء أن يجمعوا بين القوة الكهرومغناطيسية و القوة النووية القوية و القوة النووية الضعيفة في نظرية واحدة،
تدعى الكوانتم او ميكانيكا الكم، حيث استطاعوا اثبات أن كل من تلك القوى تتكون من أجزاء صغيرة غير قابلة للتقسيم،
- الكهرومغناطيسية تتكون من أجزاء تسمى الفوتونات
- النووية القوية تتكون من أجزاء تسمى الجولونات
- النووية الضعيفة تتكون من أجزاء تسمى البوزونات
سعياً لوضع نظرية تفسر كل شيء، ولكنهم وقفوا عند الجاذبية، ولم يستطيعوا اثبات ذلك، ولكنهم قالوا سنفترض وجود هذا الجسيم المكون للجاذبية، و سنسميه الجرافيتون. اعترض اينشتاين، إن لم تستطيعوا اثبات وجود الجسيم، لاتستطيعوا تسميته.
لذلك اخرجوا الجاذبية من نظريتهم و اسموها النظرية الموحدة العظمى، بدلا من نظرية كل شيء.
3 ـ عصر القوة الكهربية الضعيفة
انتهينا من عصور الطاقة و دخلنا في أول عصر من عصور تكوين المادة، استمر هذا العصر
من 10 مرفوعة للقوة -36 ثانية إلى 10 مرفوعة للقوة -12 ثانية، اي قطعنا الأن جزءاً من تريليون جزء من الثانية.
انخفضت الحرارة في هذا لعصر إلى 1000 تريليون كيلفن، و انخفضت الطاقة إلى 1000 تريليون GeV.
انفصلت القوى النووية القوية و بقيت الكهرومغناطيسية و النووية الضعيفة موحدة، وسميت بالقوة الكهربية الضعيفة.
و بما أن القوة النووية القوية انفصلت، اذاً اصبح بالإمكان تكون انوية الذرات اي المادة،
ولكن تكون المادة يحتاج شروط معينة،
1- يجب أن تكون درجة الحرارة أكبر من 4.5 تريليون درجة، لكي يستطيع الفوتون تكوين البروتون.
2- يجب ان يكون الكون متجانس ولا يوجد به فروق بين درجات الحرارة أو الكثافات،
لأنه لو كان هناك اي فروقات بسيطة بعد مليارات السنين ستصبح فروقات هائلة، وليس هذا ما نراه في الأشعة الخلفية للكون.
3- يجب أن يكون الكون صغيرا أثناء تكون المادة لكي نحصل على هكذا تجانس.
4- يجب حصول بعض الأخطاء في التقلبات الكمية، عند تحول الطاقة تنتج مادة و مادة مضادة،
فتصطدم المادة بالمادة المضادة فتتحولان إلى طاقة من جديد و هكذا، هذه هي التقلبات الكمية،
لذلك يجب حدوث أخطاء اثناء تلك التقلبات لكي لا تصطدم المادتين ببعضهما وتبقى مستقرة.
استطاعت المادة أن تفلت من الاصطدام بالمادة المضادة بسبب تضخم الكون السريع جداً،
حيث تضخم الكون خلال جزء من تريليونات الأجزاء من الثانية بنسبة 2 مرفوعة للقوة 100،
لو أن عملة معدنية تضخمت بنفس النسبة لأصبح قطرها أكبر بعشر مرات من قطر الكون،
ولكن لأن الكون كان متناهي في الصغر، بعد ذلك التضخم الكبير أصبح بحجم حبة البرتقال.
4 ـ عصر الكواركات
استمر هذا العصر من جزء من تريليون من الثانية إلى جزء من المليون من الثانية.
انخفضت حرارته من 1000 تريليون درجة إلى 10 تريليون درجة كيلفن.
و القوة الكهربية الضعيفة انفصلت للقوتين، الكهرومغناطيسية و النووية الضعيفة.
اصبح لدينا كل مكونات المادة الرئيسية، و كل القوى التي تربط تلك المكونات،
ولكن درجة حرارة الكون كانت لاتزال مرتفعة جداً، وتستطيع ان تجعل الكون ينتج المادة.
و بعد جزء من المليون من الثانية، بدأت الكواركات بالإقتراب من بعضها،
مكونة البروتونات و النيوترونات، التي تندرج تحت عائلة الهادرونات.
5 ـ عصر الهادرونات - البروتونات و النيوترونات
الهادرونات |
استمر هذا العصر من مايكرو ثانية. إلى أول ثانية في عمر الكون.
انخفضت حرارة الكون من 10 تريليون درجة إلى 10 مليار درجة كيلفن،
وبالتالي انخفضت الحرارة اللازمة لتكوين البروتون، وكان اخر عصر يتكون فيه البروتون،
اي أن كل البروتونات الموجودة حالياً تكونت في الثانية الأولى من عمر الكون.
ولكن لازالت الإلكترونات تستطيع التكون لأنها تحتاج 2 مليار درجة كيلفن،
تندرج الإلكترونات تحت عائلة الليبتونات.
6 ـ عصر الليبتونات - الإلكترونات
الإلكترونات |
استمر هذا العصر من 1 ثانية إلى 3 دقائق، و انخفضت درجة الحرارة به إلى 1 مليار كيلفن،
وبالتالي توقف انتاج الإلكترونات، وكان اخر عصر تكونت فيه الإلكترونات.
عصر التخليق النووي بعد الانفجار العظيم
سافرنا معاً في الفقرة السابقة برحلة مدتها 3 دقائق في عمر الكون، وعلمنا ان الطاقة كونت البروتونات
و النيوترونات والإلكترونات، وكان اخر فرصة لتكوينهم هو عصر الليبتونات، التي كانت حرارته 1 مليار كيلفن،
وتلك اقل درجة حرارة ممكن ان يتكون عندها مكونات المادة، اذاً اصبحت لدينا مكونات المادة جاهزة.
لكن رحلتنا لم تنتهي بعد لأن الذرات لم تتكون بعد، ولا اي عنصر من عناصر الجدول الدوري ايضًا.
وبالتالي هنالك تتمة للحكاية، البروتونات و النيوترونات و الإلكترونات لن تبقى حرة طليقة هكذا.
و أول خطوة في تكوين الذرة هو ان تتحد البروتونات و النيوترونات لتكوين نواة الذرة.
أول نواة ذرة ستتكون هي نواة الهيدروجين لأنها تتكون من بروتون واحد فقط وهو بالفعل موجود.
ولكن المشكلة تبدأ في العناصر الأثقل من الهيدروجين، مثل نواة ذرة الهيليوم لأنها تتكون من بروتونين،
اي اننا نحتاج لدمج بروتونين موجبين لتشكيل نواة الهيليوم، وهنا تبدأ المشكلة.
1 ـ اندماج انوية الهيدروجين لتشكيل نواة الهيليوم
اندماج الهيدروجين |
عند دمج بروتونين ببعضهما سيتنافران بفعل القوة الكهرومغناطيسية بسبب تشابه الشحنة.
وبالتالي نحتاج لقوة اكبر من قوة التنافر لنستطيع تقريبهما من بعض،
و عندما يقتربان سيندمجان ببعضهما بفعل القوة النووية القوية.
لأن القوة النووية القوية لا يعمل تأثيرها إلا في المسافات القريبة جداً،
كحال المغناطيسات عند تقريبها من بعض لا تلتحم الا عند مسافة معينة.
وعند اندماج البروتونات يصدر كم هائل من الطاقة، بسبب تحول جزء من المادة إلى طاقة.
للتغلب على قوة التنافر يجب ان تكون الجاذبية قوية جداً، وعلى الحرارة ان لا تقل عن 10 مليون كيلفن.
انتبه اننا هنا نكون نواة الهليوم فقط، وكل ما ثقل العنصر وزاد عدده الذري،
ستكون بروتوناته اكثر والتنافر سيكون اكبر و بالتالي سنحتاج جاذبية اعلا و طاقة اعلا لنستطيع دمج البروتونات.
2 ـ تكون نواة الهيليوم من الديتيريوم
من السهل على الهيليوم أن يتكون من انوية الديتيريوم على ان يتكون من الهيدروجين.
الديتيريوم هو نظير الهيدروجين، لكن الهيدروجين نواته 1 بروتون فقط،
والديتيريوم تتكون نواته من 1 بروتون و 1 نيوترون.
في ظل الحرارة والكثافة العالية للكون في وقتها، كان من السهل على النيوترون المتعادل الشحنة،
أن يلتحم بالبروتون و يكون نواة الديتيريوم. وكما لدينا انوية الهيدروجين، لدينا ايضًا انوية ديتيريوم جاهزة.
بدأت أنوية الديتيريوم بالإندماج، حيث كل 3 انوية ديتيريوم كونت نواة هيليوم واحدة.
وفي خلال 17 دقيقة من بعد عصر الليبتونات، تحولت ربع كمية انوية الهيدروجين إلى أنوية هيليوم.
تخطينا أول 20 دقيقة بعد الانفجار العظيم، توقف اندماج الهيدروجين الأن بسبب انخفاض حرارة الكون اقل من 10 مليون كيلفن.
عصر الارتباط بعد الإنفجار العظيم
في هذا الوقت، و بعد أن تخطينا أول 20 دقيقة من بداية الكون، و رغم الحرارة الهائلة و الإشعاع الناتج عن الإندماج النووي،
كان الظلام يهيمن على الكون، ولن يكن بالإمكان رؤية الضوء.
لأنه لم يكن بإستطاعة الفوتونات التنقل بحرية، لأن الإلكترونات كانت في ذلك الوقت حرة ولم تكن تدور حول اي نواة.
بسبب كثافة الإلكترونات الحرة، كان الفوتون يتحرر من الإلكترون و يصطدم بإلكترون اخر، ثم يتحرر ويصطدم بالاخر،
ويبقى الفوتون محبوس بين تلك الإلكترونات. كما يحدث الأن في الفوتونات القادمة من الشمس.
يستغرق الفوتون 8 دقائق لقطع مسافة 150 مليون كيلومتر، وهي المسافة بين سطح الشمس و الأرض،
ويستغرق 150 الف سنة لقطع مسافة 700 الف كيلومتر من باطن الشمس إلى سطحها،
بسبب كثافة الإلكترونات الحرة في باطن الشمس.
ارتباط الإلكترون بالنواة و تشكيل أول ذرة
الذرة الأولى |
لكي تستطيع النواة جذب الإلكترونات، يجب أن تنخفض حرارة الكون إلى أقل من 3000 كيلفن،
لأن درجة 3000 كيلفن هي درجة الحرارة التي يتأين عندها الهيدروجين، اي طرد الإلكترون خارج الذرة،
وأقل من هذا سينجذب الإلكترون للذرة. اذاً سننتظرإلى أن تنخفض الحرارة من 10 مليون كيلفن إلى 3000 درجة.
إنتظر الكون 380 الف سنة إلى أن انخفضت حرارته تحت ال 3000، وتم اخيرًا تكوين ذرات الهيدروجين.
وتحرر الضوء لأول مرة منذ الانفجار العظيم، و استمرت حرارته بالإنخفاض إلى أن وصلت في يومنا هذا
إلى 2,7 درجة، و هو ما يسمى حاليا بالأشعة الخلفية الكونية.
انخفضت الحرارة من 3000 إلى 2,7 اي انها انخفضت بمعدل 1110 مرات لأن 3000 تقسيم 2,7 يعطينا 1110 تقريبا،
هذا يعني أن كوننا قد تمدد بمعدل 1110 مرات، واذا كان نصف قطر كوننا الحالي 46 مليار سنة ضوئية،
نقسمها على 1110 يعطينا 42 مليون سنة ضوئية و هو قطر الكون في ذلك الوقت.
كيف تكونت النجوم و الكواكب بعد الانفجار العظيم
مثل ما ساعدتنا الأشعة الخلفية الكونية، في معرفة حجم الكون، أعطتنا ايضاً معلومة مهمة جداً.
كما شرحنا سابقًا أن الكون في بدايته كان متجانس جداً، لدرجة أن الأشعة الخلفية الكونية،
بعد تمدد دام 13,8 مليار سنة ضوئية، لم يكن هناك فرق يذكر بين اطوالها الموجية.
لم يكن هناك فرق يذكر، لا تعني أنه لا يوجد فرق ابدًا، لو لم يكن هناك فروقات بسيطة، لما تكونت النجوم والمجرات،
لأنه لو كانت الحرارة متساوية، هذا يعني أن الكثافات متساوية ايضاً، ولن يكن هناك فرق بين الكتل،
وبالتالي لايوجد فرق في الجاذبية ايضاً، اي لن يكن هناك كتل كبيرة تجذب المادة من حولها، وسيبقى الكون ثابت.
ولكن بعد 13,8 مليار سنة، وجدنا أن هناك فرق بين درجات حرارة الأشعة الكونية، مايقارب 1 من 10000 درجة،
هذا يعني أن هناك فرق في الكثافات، و فرق في توزيع الكتل، مما سيؤدي إلى فرق في الجاذبية.
حدث هذا الفرق بسبب الأخطاء التي حصلت في التقلبات الكمية، اثناء فصل المادة عن المادة المضادة،
فأصبحت المادة أكثر من المادة المضادة، وهذا كان طفيف جداً لأن حجم الكون كان صغيراً،
لدرجة أن بعد 13,8 مليار سنة، كان هناك فرق 1 من 10000 درجة فقط، وهذا الإختلاف هو ما أدى إلى الحدث التالي.
1 ـ الاهتزاز الصوتي للمادة
المنطقة التي بها جاذبية اعلى ستجذب المادة وتسخن، وتستمر برفع حرارتها إلى أن يفجر الإشعاع الذي بداخلها المنطقة،
أي انفجار ينتج عنه موجات صوتية، والتي هي عبارة عن تضاغطات و تخلخلات، التضاغطات تكون كثافة المادة بها عالية،
والتخلخلات تكون كثافتها منخفضة. كانت تحدث هذه الإنفجارات في أماكن متفرقة في الكون.
كان شكل الكون أشبه بقدر حساء يغلي و يخرج الفقاعات، استمر الكون على هذا الشكل لمدة 380 الف سنة،
إلى أن برد و نزلت حرارته إلى أقل من 3000 كلفن، و تكونت الذرة، وثبت الكون عند أخر وضع له،
التضاغط الذي به المادة كثيفة، مع الوقت بدأ يجذب مادة أكثر، و التخلخل الذي كانت كثافته قليلة، أصبحت أقل.
المناطق التي تركزت بها المادة، هي التي كونت الكواكب والنجوم و المجرات في ما بعد.
وبالتالي عندما ترى توزيع المجرات، تعلم أنها نتجت من لحظة ثبوت الكون عند أخر وضع له
بعد 380 الف سنة من الانفجار العظيم.
2 ـ تكون النجوم والمجرات
ليس لدينا الان سوى الهيدروجين و الهيليوم، مجرد سحب و ادخنة من الهيدروجين و الهيليوم،
موجودة في أماكن بشكل كبير، وبأماكن أخرى بشكل قليل، والسحب والأدخنة تلك تسمى السدم.
يجب الأن أن يتحد الهيدروجين و الهيليوم ويبدأوا في تكوين النجوم والكواكب والمجرات.
السدم |
لكن الأمر ليس بتلك البساطة، وإلا كان الهيدروجين والهيليوم أنضموا و كونوا نجم أو مجرة واحدة،
هناك قوانين و أسس لتكون النجوم والمجرات، كما قال العالم جيمس جينز:
- يجب أن تكون السحابة لها كثافة معينة.
- وتلك السحابة بنفس الكثافة يجب أيضاً أن يكون لها نصف قطر معين.
عند تحقق تلك الشروط، يبدأ الغاز بالإنضمام على بعضه بفعل الجاذبية، وعند انضمامه على بعضه ترتفع درجة حرارته،
لأن أي غاز نقوم بضغطه ترتفع درجة حرارته، عندما ينضغط الغاز ترتفع كتلته مما يؤدي إلى زيادة تأثير الجاذبية،
فيقوم بضم غاز أكثر وترتفع حرارته أكثر، إلى أن تصل الحرارة إلى 3000 درجة التي تأين الذرة عندها.
عند تأين الذرة تتحرر الإلكترونات من جديد، ولكن الكثافة ليست عالية فيتحرر الضوء من لب الغاز المضغوط وهو النجم،
وكأن النجم كان ضوء مطفئ و أنير، ولكن للأن لازالت الجاذبية تتفوق على الحرارة و تستمر في ضغط النجم،
إلى أن تصل الحرارة إلى 10 مليون كلفن، عندها يبدأ الهيدروجين بالإندماج من جديد في لب النجم.
فور أن يبدأ الهيدروجين بالإندماج، تنطلق طاقة كبيرة، قوة طاقة الإندماج تعاكس قوة الجاذبية،
فيمنع الجاذبية من سحق النجم و يستقر.
3 ـ أنواع النجوم
الأقزام الحمراء
نجم القزم الأحمر |
في حال كانت كمية غاز الهيدروجين والهيليوم قبل ولادة النجم، قليلة وتعادل 10% من كتلة الشمس تقريباً،
يتكون لدينا نجم كتلته صغيرة وجاذبيته قليلة، وبالتالي معدل الإندماج به يكون قليل، ويحرق وقوده ببطئ،
الجاذبية القليلة تجعل كثافة النجم قليلة ايضاً.
الكثافة القليلة تسمح للهيليوم التحرر والخروج إلى سطح النجم و يحل مكانه الهيدروجين ويبدأ بعملية اللإندماج،
اي النجم بالكامل يعتبر كوقود، معدل الحرق البطيئ بجانب أن النجم كله يعتبر كوقود، تصل أعمار تلك النجوم
إلى تريليون سنة، وتكون حرارته قليلة و بالتالي يكون لونه أحمر، ولأنه أحمر و حجمه صغير سمي بالقزم الأحمر.
العملاق الأحمر
نجم العملاق الأحمر |
في حال أن كمية الغازات أكبر من 10% من كتلة الشمس، يتكون لدينا نجم كتلته كبيرة، وجاذبيته كبيرة قادر أن يسحق
كمية أكبر من الغازات، ويدمج كمية أعلى من الهيدروجين، مما يجعل الحرارة والكثافة في باطن النجم كبيرة جداً،
لدرجة أن الضوء و أشعة الحرارة التي في باطن النجم، يكون من الصعب عليها الخروج لسطحه.
مما يجعل لب النجم منعزل، والذي يحدث بداخله يبقى داخله. الجاذبية الكبيرة تجعل النجم يدمج الهيدروجين بسرعة أكبر،
وإنعزال اللب يجعل اللب فقط وقوداً للنجم وليس النجم كله كالأقزام الحمراء، مما يجعل أعمار تلك النجوم قصيرة،
لا يتخطى 10 مليارات سنة.
بعد أن يندمج كل الهيدروجين الموجود في اللب ويكون الهيليوم، تتوقف طاقة الإندماج النووي، وتستفرد الجاذبية في اللب،
وتبدأ بسحقه، ينضغط اللب و يصغر حجمه و ترتفع كثافته وترتفع حرارته، لدرجة أن الطبقة الملامسة للب تسخن،
وتبدأ في دمج الهيدروجين، الحرارة الصادرة من الإندماج تبدأ في تسخين الغازات الموجودة في سطح النجم،
والبعيدة نسبياً عن تأثير جاذبية النجم، تبدأ تلك الغازات في التمدد، لدرجة أن حجم النجم يصل إلى 150 ضعف حجمه،
ويسمى ذلك النجم بالعملاق الأحمر، وبالمناسبة شمسنا هي من هذا النوع ومن المتوقع أن تحصل لها تلك الظاهرة،
و أن تتحول إلى عملاق أحمر يلتهم الكواكب التي حوله بعد مايقارب 5 مليارات سنة.
النجم النيوتروني
النجم النيوتروني |
في حال كانت الغازات أكبر من 8 أضعاف كتلة الشمس، يتكون لدينا نجم كتلته هائلة، و بالتالي تكون جاذبيته كبيرة،
ولن يتوقف عند الكربون، بل سيكمل تكوين العناصر وصولاً إلى الحديد ويتوقف عنده،
لأن الحديد يحتاج لطاقة هائلة جداً لدمجه، و لأن العناصر التي تسبق الحديد تصدر طاقة عند إندماجها أكبر من الطاقة التي أخذتها،
إلا الحديد الطاقة التي يخرجها عند إندماجه ضعيفة جداً، عكس العناصر السابقة،
حيث كانت تأخذ طاقة أقل و عند إندماجها تعطي طاقة أكبر تساعد على دمج و تكوين العناصر التي تليها،
بعد أن تتوقف عمليات الإندماج، و يصبح اللب كله حديد، تستمر الجاذبية في سحق اللب، وضغط ذرات الحديد.
ثم تندمج إلكترونات ذرات الحديد مع أنويتها، و تكون نيوترونات لأن الإلكترون شحنته سالبة، والبروتونات شحنتها موجبة،
الموجب مع السالب يعطي شحنة متعادلة وهي النيوترون، ويصبح لب النجم كله نيوترونات،
ثم تستمر الجاذبية بالضغط إلى أن تكاد أن تكون الفراغات في لب النجم منعدمة، وتستمر إلى أن تصل إلى المرحلة الحرجة.
المرحلة الحرجة هي ما يدعى في ميكانيكا الكم مبدأ باولي للاستبعاد :
ينص مبدأ باولي أنه لا يمكن لإلكترونين أن يشغلان نفس المكان و يمتلكان نفس مستوى الطاقة،
والنيوترونات التي تحاول الجاذبية دمجهم ما هي إلا إلكترونات و بروتونات تم دمجهم بسبب الضغط، وأصبحوا نيوترونات،
عند وصول الجاذبية إلى تلك المرحلة، ينفجر النجم إنفجارًا يعتبر الأقوى من بعد الانفجار العظيم، يسمى بالمستعر الأعظم
أو السوبر نوفا، الطاقة التي يسببها الإنفجار تقوم بتكوين بعض العناصر الأثقل من الحديد، ولكن بنسب ضئيلة جدًا.
بعد الانفجار، لو كانت كتلة النجم أقل من 20 ضعف كتلة الشمس، يبقى اللب المكون من النيوترونات و يسمى النجم النيوتروني،
و لو كانت أكبر من 20 ضعف كتلة الشمس، يتحول النجم بعد الإنفجار إلى ثقب أسود.
الثقب الأسود |
3 ـ كيف تشكلت العناصر الكيميائية
جدول العناصر الكيميائية |
في البداية سيندمج الهيدروجين و يتحول إلى هيليوم، ثم يتم دمج 3 ذرات هيليوم لتكوين الكربون،
في عملية تدعى عملية الفا الثلاثية، ثم تسخن الطبقة الملامسة للب النجم و تبدأ في دمج الهيدروجين و تكوين الهيليوم.
ثم يبدأ دمج العناصر مع الهيليوم في الترتيب التالي :
- الكربون + الهيليوم = الاكسجين
- الاكسجين + الهيليوم = النيون
- النيون + الهيليوم = المغنيسيوم
- المغنيسيوم + الهيليوم = السيليكون
- السيليكون + الهيليوم = الكبريت
- الكبريت + الهيليوم = الآرغون
- الآرغون + الهيليوم = الكالسيوم
- الكالسيوم + الهيليوم = التيتانيوم
- التيتانيوم + الهيليوم = الكروم
- الكروم + الهيليوم = الحديد
يقول العالم لورانس كراوس : أن تحول الكربون إلى اوكسجين يستغرق 100 ألف عام، و تحول الاكسجين وصولاً إلى السيليكون
يستغرق 10 الاف عام، ولكن يومًا واحدًا يكفي ليتحول السيليكون وصولاُ إلى الحديد، ويعلن النجم عن إنهياره.
تكون العناصر الأثقل من الحديد
مع انفجار النجوم ذوات اللب النيوتروني، تتطاير كميات كبيرة من النيوترونات ويلتصق مع أنوية الذرات الثقيلة المتكونة سابقًا،
وتلك النيوترونات ماهي إلا ذرات حديد سابقة مضغوطة إلكتروناتها مع البروتونات، وثم تتحلل تلك النيوترونات،
وتتحول إلى بروتونات و إلكترونات، وبالتالي يتكون لدينا العناصرالأثقل من الحديد.
تكون العناصر الخفيفة مابين الهيليوم و الكربون
مع انفجار السوبرنوفا يأتي إشعاع محمل بطاقة عالية جداً و يصطدم بأنوية الذرات و يقسمها لنصفين،
كل إشعاع محمل بطاقة كبيرة، يصطدم بنواة ذرة كبيرة، ويقسمها نصفين، ويكون العناصر الخفيفة، والمستقرة.
4 ـ كيف تكونت الكواكب والمجرات
الكواكب |
عند انفجار النجوم تتبعثر العناصر التي تكونت بداخلها في الفضاء، وتبقى تلك العناصر أمام مصيرين،
إما أن تنجذب إلى أحد النجوم الجديدة، وتعيد الحكاية من البداية، أو تنضم إلى بعضها وتبدأ في تكوين الكواكب.
المجرات |
الكواكب التي تكونت لو كانت قريبة من نجم معين تبدأ بالتأثر بجاذبيته، وتبدأ بالدوران حوله،
كما يحصل في المجموعة الشمسية، والمجموعات الشمسية تبدأ بالتأثير على بعضها بجاذبيتها، وتبدأ بتكوين المجرات.
هل للكون نهاية
كما شرحنا سابقاً و اكتشفنا أن الكون له بداية، فبالتالي اذاً سيكون له نهاية ايضاً.
لا تفزع لن ينتهي الان، لا يزال لديك الوقت لقراء ة المقال وإضافة بعض التعليقات،
و مشاركة المقال مع اشخاص أخرين.
سيناريوهات نهاية الكون
1 ـ التجمد الكبير: مع مرور الوقت سينفذ وقود النجوم و ستموت، مما سيجعل الكون مظلماً و بارداً،
و سوف تملأ الكون الثقوب السوداء، ثم تموت هي ايضاً مع الوقت.
2 ـ التمزق الكبير: ستزيد سرعة تمدد الكون، وتبتعد المجرات بشدة، و لن تستطيع الجاذبية الحفاظ على تماسك الكون،
و ستغادر الكواكب مداراتها، وستصل سرعة تمدد الكون إلى أكبر من سرعة الضوء، و ستتفتت جزيئات المادة نفسها،
إلى أن يتمزق الزمكان.
3 ـ الإنكماش العظيم: عكس الانفجار العظيم ستنخفض الطاقة المظلمة، و ستتغلب الجاذبية على تمدد الكون،
وتبدأ بضم و دمج المجرات ببعضها، و تضغط المادة إلى أن ترتفع الحرارة وتتفكك الذرات،
ونعود نقطة صغيرة كما بدأنا، عملية عكسية تماماً لما شرحناه في مقالنا.
المصادر: